ويسر فريق مركز البحوث الكمية لدى معهد الابتكار التكنولوجي أن يبدأ بتريّث وإحراز التقدم خطوةً تلو الأخرى للانضمام إلى السباق الذي انطلق للتغلّب على حاسوب شركة ’آي بي أم‘ الذي قالت الشركة بأنه يضم 53 كيوبت. ويجدر الذكر بأن العمر الافتراضي القصير جداً للكيوبت وطبيعتها غير المستقرة تصعّب على الباحثين تنظيم العمليات والتأكد من سيرها بالشكل الصحيح عند تجميع الحواسيب الكمية.
وتستخدِم مبردات تخفيف الهيليوم مزيجاً من نظائر الهيليوم لتبريد الرقائق الكمية أو الوحدة الرئيسية للحاسوب، وذلك بهدف الحفاظ على المعلومات الكمية. ويضم مبرد التخفيف ستة مستويات مختلفة، يكون العلوي منها بنفس درجة حرارة الغرفة، ثم تبدأ الحرارة بالانخفاض في المستويات السفلية إلى أن تصل إلى 10 ميلي كلفن (واحد في المائة من درجة حرارة الفضاء الخارجي)، وهي الدرجة المطلوبة لتعمل الرقاقات الكمية بالشكل المطلوب.
ما هي الحواسيب الكمية وما أهميتها؟ في ظل التطور الرقمي الكبير الذي يشهده العالم في وقتنا هذا، أصبحت الدول والمؤسسات الحيوية تولي اهتماماً كبيراً لتشفير البيانات والأمن وسرية المعلومات، وهنا تأتي أهمية الحواسيب الكمية لقلب الموازين في هذا الإطار، إذ تملك قدرات عالية جداً لتعزيز الكفاءة الحاسوبية وتوفر حلولاً متعددة لأهم التحديات التي يواجهّا العالم حالياً أو مستقبلاً.
وتستخدم الحواسيب الكمية العديد من مفاهيم ميكانيكا الكم، مثل التراكب الكمي والتشابك الكمي، لتوجيه الجزيئات دون الذرية (مثل الإلكترونات) واستخدامها على شكل كيوبت، وذلك لتوليد طاقة معالجة أعلى بأضعاف والمساعدة في حل بعض الحسابات المعقّدة التي سيستغرق حلها وقتاً طويلاً حتى مع استخدام أكثر الحواسيب الكلاسيكية تطوراً في العالم، فهذه الحواسيب الاعتيادية تستخدم البتّات (bits) المنظّمة على شكل مجموعات من الواحد والصفر، بينما تستخدم الحواسيب الكمية الكيوبت التي يمكن لجزيئاتها امتلاك حالتين في آن واحد، الأمر الذي يرفع قوتها الحاسوبية بفضل قدرتها على تقييم العديد من المخرجات في نفس الوقت. فعلى سبيل المثال، حظيت شركة غوغل بثناءٍ واسع في عام 2019 بعد أن استغرق حاسوبها الكمي التجريبي دقائق معدودة لحل مسألة حسابية كان سيستغرق حلها 10000 عام باستخدام حاسوب فائق السرعة بحسب تقديرات الباحثين.
وبعد إتمام تطوير الحواسيب الكمية وانتقالها إلى أرض الواقع، لا شك بأنها ستضيف قيمةً عاليةً لمختلف المجالات الرئيسية مثل اكتشاف الأدوية الجديدة وتصميم البطاريات المتطورة والمساعدة في العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ويوجد هناك العديد من المشاكل والتحديات التي لا يمكن للحواسيب الكمية معالجتها، إلا أنها توفّر حلولاً حاسوبية غير مسبوقة لحل المشاكل التي تقع ضمن إطار عملها. ويهدف معهد الابتكار التكنولوجي من خلال هذه المشاريع الكمية الطموحة إلى ترسيخ دوره القيادي في تطوير التكنولوجيا المتقدمة في المنطقة وتعزيز المجتمع المعرفي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
يتمتع البروفيسور خوسيه إيغناسيو لاتوري، كبير الباحثين في مركز البحوث الكمية، بخبرة واسعة اكتسبها من عدة مؤسسات عالمية مرموقة مثل جامعة برشلونة والمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كما يمتلك معرفةً واسعة بالمشاريع التحوّلية المتقدمة، ويتطلع قدماً إلى العمل على هذا المشروع الذي يرى بأنه بالغ الأهمية بفضل القيمة الكبيرة التي سيجلبها إلى مختلف القطاعات والمجالات بعيداً عن الضجة الإعلامية التي تحوم حول هذا الموضوع في الوقت الحالي. ويستذكر البروفيسور خوسيه أول مرة شهد فيها إنشاء الكيوبت قبل ما يقارب سبع سنوات ومدى التقدم المُحرَز منذ ذلك الوقت.
ومع أن الكيوبت لا تُرى بالعين المجردة، إلّا أن وجودها قد أُثبِت من خلال إطلاق الفوتونات تجاهها وقياس استجابتها، إذ يمكن للكيوبت التقاط الفوتونات المطلقة نحوها، الأمر الذي يمكن رؤيته من خلال قراءة أجهزة المراقبة المخبرية المتقدمة. ويذكر البروفيسور أفضل استجابة للكيوبت رآها أثناء المراقبة والتحليل، إذ كانت تُمثِّل بكل بساطة خطاً مستقيماً على شاشة الجهاز، ولكن وقع هذا الحدث كان كبيراً على المجتمع العلمي آنذاك، وهو يشبه الحماس الذي نشهده الآن مع الكشف عن أول حاسوب كمي في أبوظبي.
وعلّق البروفيسور خوسيه على هذا الموضوع قائلاً "يركّز عالمنا الحالي على تحقيق التقدّمات العلمية الكبيرة والمتميّزة، وفي عالم المفاهيم الكمية، أصبح الحاسوب الكمي هو الاكتشاف العلمي الأكبر الذي ينتظره الكثيرون بتحمّس لكي يتجسد على أرض الواقع. ونحن نعمل في نفس الوقت على العديد من النشاطات الكمية ذات الصلة، إذ إن هذه التطوّرات شبيهة بغيرها من التطوّرات العلمية ولا يمكن أن تبقى بمعزل عما يحصل على أرض الواقع، وهي بحاجة إلى منظومة كاملة لكي نستفيد من كامل إمكاناتها. فعلى سبيل المثال، يعمل مركز بحوث علم التشفير، التابع لمعهد الابتكار التكنولوجي، على تطوير خوارزميات التشفير بعد الكمية، الأمر الذي سيكون مهماً جداً للحفاظ على أمن وسرية المعلومات في زمن الحواسيب الكمية."